{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى وهارون الفرقان وَضِيَاء وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ} نوعُ تفصيلٍ لما أُجمل في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ} إلى قوله تعالى: {وَأَهْلَكْنَا المسرفين} وإشارةٌ إلى كيفية إنجائهم وإهلاكِ أعدائهم، وتصديرُه بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناءِ بمضمونه، والمرادُ بالفرقان هو التوارةُ وكذا بالضياء والذكر، أي وبالله لقد آتيناهم وحياً ساطعاً وكتاباً جامعاً بين كونه فارقاً بين الحقِّ والباطل وضياءً يستضاء به في ظلمات الجهلِ والغَواية وذِكْراً يتعظ به الناسُ، وتخصيصُ المتقين بالذكر لأنهم المستضيئون بأنواره المغتنمون لمغانم آثارِه أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع والأحكامِ، وقيل: الفرقانُ النصرُ، وقيل: فلقُ البحر والأول هو اللائقُ بمساق النظمِ الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتبِ الإلهية لا سيما التوراةِ فيما ذكر من الصفات، ولأن فلقَ البحر هو الذي اقترح الكفرةُ مثله بقولهم: فليأتنا بآية كما أُرسل الأولون، وقرئ: {ضياءً} بغير واو على أنه حالٌ من الفرقان.وقوله تعالى: {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} أي عذابَه، مجرورُ المحل على أنه صفةٌ مادحة للمتقين أو بدلٌ أو بيان أو منصوب أو مرفوعٌ على المدح {بالغيب} حال من المفعول أي يخشَون عذابه تعالى وهو غائبٌ عنهم غيرُ مشاهد لهم، ففيه تعريضٌ بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهِدوا ما أنذروه، وقيل: من الفاعل {وَهُمْ مّنَ الساعة مُشْفِقُونَ} أي خائفون منها بطريق الاعتناء، وتقديمُ الجار لمراعاة الفواصل وتخصيصُ إشفاقهم منها بالذكر بعد وصفِهم بالخشية على الإطلاق للإيذان بكونها معظمَ المَخُوفاتِ وللتنصيص على اتصافهم بضد ما اتصف به المستعجلون، وإيثارُ الجملة الاسميةِ للدِلالة على ثبات الإشفاق ودوامِه.{وهذا} أي القرآنُ الكريم أشير إليه بهذا إيذاناً بغاية وضوحِ أمرِه {ذُكِرَ} يُتذكّر، وُصف بالوصف الأخير للتوراة لمناسبة المقام وموافقتِه لما مر في صدر السورةِ الكريمة {مُّبَارَكٌ} كثيرُ الخير غزيرُ النفع يُتبرّك به {أنزلناه} إما صفةٌ ثانية لذكر أو خبر {أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} إنكارٌ لإنكارهم بعد ظهورِ كون إنزالِه كإيتاء التوراة، كأنه قيل: أبعد أن علمتم أن شأنَه كشأن التوراة في الإيتاء والإيحاءِ أنتم منكرون لكونه منزّلاً من عندنا؟ فإن ذلك بعد ملاحظةِ حالِ التوراة مما لا مساغَ له أصلاً.